‫الرئيسية‬ روابط إتجاهات الرأي المستقبل السياسي في السودان.. بين بشائر التفاؤل ونذر التشاؤم!

المستقبل السياسي في السودان.. بين بشائر التفاؤل ونذر التشاؤم!

محمد المبارك التيرابي

خبير استشاري في التدريب التطويري الذاتي والمؤسسي

تباينت الرؤى وتقلبت حول تفعيل ما يعرف بالاتفاق الإطاري السياسي المرجو بصورة عاجلة وضرورية تخرج بالسودان من محنته الحالية المعقدة، وهو أمل ظل يراود الشعب المغلوب على أمره زهاء 4 سنوات!

فهل هذا يعود على نحو من الأنحاء إلى أن البلاد مستهدفة بما لا قبل لها به بالضغوط السياسية والاقتصادية التي أحدقت بها منذ استقلالها عن الحكم الإنجليزي عام 1956م؟ بعدما خلف الاستعمار وراءه تركة ثقيلة مُرهِقة من خلال مباركته مثلا، إن لم يكن إذكاءه للحرب بين الشمال والجنوب التي امتدت إلى عدة عقود حيث قضى فيها حوالي مليون قتيل من الجانبين، حسب إحصائيات عدة، والتي انتهت بانفصال الجنوب عن الشمال عام 2011.

وهو أمر ليس ببعيد عن سياسة الهيمنة الغربية الشهيرة “فرّقْ تَسُدْ” (Divide & rule) كما يجزم كثير من الخبراء المختصين بالشأن السوداني.

ومنذ “الاستقلال” تعاقبت على البلاد عديد الحكومات العسكرية الارتجالية المضطربة (52 سنة حكما عسكريا، مقابل 12 سنة حكما مدنيا).

ولم تكن موفقة في أكثر توجهاتها؛ استعدادا وإدارة وإنجازا، جراء أسباب كثيرة منها الداخلية والخارجية كما ألمحنا قبلا، وأهمها الفساد الذي استشرى في بعضها استشراء النار في الهشيم!!! والصراعات الحزبية والإقليمية والمكايدات الفئوية والنعرات القبلية والطائفية التي أدت مثلا إلى اقتتال شبه دائم في إقليم دارفور بغرب السودان!

وغير ذلك من انقسامات مريرة، معلنة وغير معلنة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ” (سورة الروم/ من الآية 32).

هذا عدا الضغوط والتدخلات الخارجية على المستويين الدولي والإقليمي المعلنة في وضح النهار، والتي تسعى لإخضاع السودان إلى سلطانها لأسباب سياسية واقتصادية نفعية بحتة، وحتى لا ينجح في تجاربه “التعبوية” كما يطلقون عليها، فيكون بذلك مثالا يحتذى لدول أخرى تستنهض شعوبها من الغفلة والإذعان المهين!

فكانت حربا شعواء على حكامه، سواء فسدوا أو أصلحوا.. إن جاروا أو إن عدلوا! هذا عدا المطامع الجريئة في ثرواته المائية والمعدنية والزراعية والحيوانية التي تصب فيما يعرف بـ”المصالح العليا” للكبار، والتي يعمل على تحقيقها -بأحابيل عدة- من ينوب عنهم من “الصغار”، في غالب الأمر، من المُستعبَدين غير المُعلَنين فيما يعرف بالاستعمار الحديث سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وإعلاميا، من غير ضمير يؤنب أو قلب ينبض بالرحمة، إذ تحتاج الحضارة الغربية التي توصم بالحداثة والتقدم إلى “أنسنة”، أي أن تكون أكثر إنسانية ونبلا وإشفاقا!

لقد تميز الاستعمار بالظلم الجريء عبر تاريخه الطويل، طبقا لأشكاله وألوانه المتعددة؛ العسكرية والاستيطانية والثقافية والتجارية، وعبر الوصايا، وغير ذلك مما تغض الطرف عنه المواثيق والقوانين الدولية “حياء وخفرا”، إن لم تُجِزه جهارا نهارا باسم السعي بـ”حسن نية” لتطوير البلدان المتخلفة.

“التطوير” الذي كانت عاقبته وخيمة؛ تشتتا وتمزقا، تقتيلا وتنكيلا، فقرا ومرضا، يحدث ذلك كله حتى في القرن الحادي والعشرين الذي بلغت فيه الكشوفات العلمية الحديثة ما بلغت!

ولم تقتنع الأجيال الجديدة في السودان بتكرار التجارب السياسية الفاشلة، أو غير الموفقة في كثير من جوانبها، على أحسن تقدير، فخرجت إلى الشارع تطمع في تطبيق العدالة وتحسين الظروف الحياتية كافة، وتنادي بالحكم السوي المفوَّض من قبل الشعب، والمراقَب هذه المرة عن كثب؛ تدقيقا ومحاسبة، كيما تخرج البلاد من أزماتها المتراكمة والمتراكبة! ولكن هل يتحقق ذلك في ظل ما ذكرناه في سياق حديثنا؟!

فلا غرو أن تكون هنالك نظرة تشاؤمية للمستقبل وبخاصة في ظل بعض الحركات العسكرية والكيانات الحزبية حيث تعمل على توطيد وتمكين نفسها تبعا لمصالحها الخاصة في النفوذ والتسلط بأي سبيل حتى ولو بقوة السلاح، بينما تضيع الأكثرية الكاثرة بين هذه وتلك!

يخشى البعض أن تبوء محاولات التضامن ولمّ الشمل السوداني بفشل ذريع مرة بعد مرة لكثرة طلاب السياسة والمنشغلين بها حتى غدت أقرب إلى المرض أو الهاجس عند الكثير من الناس، ذلك الذي يصرفهم عن التوجه إلى العمل المضني النشط، والإنتاج النوعي المثمر، والتنمية الإبداعية الوثَّابة، في كثير من الدول “النامية”، حسبما أجمعت دراسات جادة في هذا السبيل أجرتها مراكز دولية موثوق بها.

وفي ظل غلاء المعيشة وتفاقم التدهور الاقتصادي يتوق معظم الناس بالطبع إلى الخروج من هذه “الطامة الكبرى” بأي طريق، ويأملون أن يتحقق ذلك عبر تقديم التنازلات والمُداراة والحكمة والصبر، وإلا سيخسر الجميع لا محالة!

هنالك استياء عام في الشارع السوداني من تجمد وتعنت ولجاجة بعض “القادة والزعماء”، وعدم نيتهم الخالصة في الوصول إلى حلول وسطى ترضي الجميع توافقا ومواءمة، ولو إلى حين، حتى تُجرى الانتخابات، وتفوِّض غالبية الشعب من يحكم كما أشرنا في سياق حديثنا!

فالشدة والحدة والتحدي والتعدي، كل ذلك لا يأتي بخير وبخاصة في ظل غياب الفهم عند الكثير لحكم الغالبية والاقتناع به كما هي الحال عليه في الديمقراطية في بعض الدول الغربية، وإن كانت بصورة أقل مما عليه في الدول “النامية”، وفقا لما جاء في كتاب “الديمقراطية في الميزان” (Democracy on trial) تأليف رئيس الوزراء السوداني الأسبق دولة الأستاذ محمد أحمد المحجوب -رحمه الله- الذي كان من أعرف الناس بالسياسة لسعة علمه ومؤهلاته المتعددة التي تستبين على اللسان ابتداءً، لا سيما وهو كبير مؤسسي “اللاءات الثلاث” -لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل- في مؤتمر القمة العربية بالخرطوم بعد النكسة- هزيمة الخامس من يونيو/حزيران 1967.

فالديمقراطية حتى في بلدانها التي نشأت فيها، بها من العلل والمطبات ما يجل عن الوصف، ومهما يكن فهي مهمة بحيث ترضى بها -على علاتها- الغالبية من الناس انتخابا واختيارا، لا قسرا وصداما!

أما مسألة ما يسمى بـ”الدكتاتور العادل” فهذه مسألة فيها نظر! وهل تُطبق في بلاد كالسودان بعديد انتماءاته وتحدياته، وبخاصة من غير معرفة أو خبرة عميقة ببواطن الأمور عند كثير من المهتمين بأمر السياسة والقيادة بكل أسف، أولئك الذين اتخذوا منهما مهنة للثراء السريع والشهرة الحرام على حساب المستضعفين من الأكثرية الحائرة فيما يجري كما أسلفنا!

وغاية المبتغى أننا نرجو ونأمل أن يثوب الكل إلى رشده ويقدم تنازلات عاجلة وفاصلة حتى يواصل الناس المسير إلى العبور -بحول الله- في هذه البلاد الأبية بأهلها، والغنية بمواردها التي تشغل بال العالم بأسره وفقا لحاجاته المستقبلية التي لا غنى عنها، كقدرتها على تحقيق الأمن الغذائي لكثير من الدول على سبيل المثال، إذا ما وُظفت طاقاتها وإمكاناتها الهائلة على نحو أمثل وأمين للمصلحة العامة داخل البلاد وخارجها!

نشر على: “الجزيرة نت”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الجيش السوداني ينفي احتجاز مصر سفينة شحن متجهة لبلاده

بورتسودان – لندن – وكالات – المدارية: نفى الجيش السوداني تقارير إخبارية …